ورد للموقع هذه القصه الشيقه التي تتحدث عن بداية حقبة ظهور النفط وانخراط السكان المحليين في الفرص المتاحه لهم في شركات النفط وهي حقبة عانا منها ابائنا الكثير من الصعوبات من اجل توفير لقمة العيش .

في بداية ظهور النفط وقدوم الشركات البريطانية والأمريكة توفرت لهم  فرص عمل لكسب قوتهم اليومي ومنهم من عمل حارس على المنشئات النفطية ومنهم السائق والعامل ، ونترك الحديث الان للسيد / مبارك بن على بن سلام المنصوري لينقل لنا ما سمعه عن ابيه .

 

لقد عاصر اباؤنا حياة قاسية وظروف صعبة في حياتهم نظرا لشح الموارد وضيق مصادر الرزق ، رغم أن طبيعة الحياة تتصف بالبساطة والفقر فكان قوتهم اليومي لايتعدى الخبز والتمر والحليب وكان عمل الشخص ينحصر في رعي حلاله من الإبل والغنم اوالاعتناء بزراعة النخيل ان وجد ، والبعض منهم توجه للبحر للبحث عن اللؤلؤ في مغاصات البحر ، ومع ظهور البترول في مطلع سنة 1940 م  التحق ابائنا  للعمل في شركات البترول وعملوا بوظائف بسيطة كعامل أو سائق أو حارس، ومع مرور الوقت بدأت طبيعة الحياة تتغير شيئا فشيئا فتعددت وسائل النقل وانتشر التعليم بالمدارس وبداء ظهور و انشاء المرافق الحيوية مثل المستشفيات والمساجد و الطرق وغيرها .

سوف اسرد لكم اليوم بعض القصص والمواقف التي صادفة  والدي/ علي بن سلام بن عيسى المطيوعي المنصوري وهو من مواليد 1925 ميلادي تقريبا حيث وصل من العمر حتى تاريخنا هذا 90 سنة ادامه الله بالصحه والعافية ، فقد عاصر الحياة القاسية قبل وبعد  ظهور النفط ، لقد بدأ الوالد حياته المهنية بالعمل في مكتب المندوب الدائم الممثل لبريطاني في الشارقة سنة 1952 م  وكما هو معروف ان اغلب دول شرق الجزيره العربية كانت تحت الأنتداب البريطاني ابتداء من منتصف القرن الثامن عشر حتى سنة 1970 تقريبا  حيث تمكنت بريطانيا من هيمنتها على المنطقة بشكل شبه كامل اثناء انسحاب الدولة العثمانية من المنطقه بعد الحرب العالمية الأولى ، فقد حدثنا الوالد عن  عمله في الحامية البريطاني بالشارقة في منتصف الخمسينات وكانت وظيفته دليل ومرشدا في الصحراء  أو كما يقولون في لغتهم  ( Guide) ، حيث كان يرافق قافلة تتكون من ثلاث سيارات نوع جيب بالإضافة إلى شاحنة صغيرة لحمل المؤونة والأغراض للقافلة  إلى لمناطق المقصوده  التي تقع غرب ابوظبي وخصوصا الظفرة ، وكان والدي  يقوم بتعريف الأنجليز بأسماء هذه الاماكن التي يمرونها واذا وجد ساكنين في هذه لأماكن يذكر لهم  أسماءهم واسرهم والفخيذه التي ينتمون لها من قبيلة المناصير او من القبائل الأخرى في تلك المناطق ، فكان القائد يدون هذه المعلومات و الأسماء في مذكراته سواء كانت مناطق أو أشخاص ويقومون بعمل خرائط ونعتقد انهم يقومون بتوثيق هذه الأسماء لغرض الدراسة والبحوث كما ثبت لاحقا من المراجع الرسمية والوثائق في الدولة البريطانية التي تم نشرها حديثا.

 يقول الوالد انهم طافوا مناطق عديدة بدأ من السلع وام لشطان واليوا وصولا إلى البريمي بالإضافة إلى عدة أماكن  داخل الظفرة ، وقد استمرت الجولة لعدة أشهر ، وعن كيفية الحصول على المؤونة اثناء تجوالهم في هذه المناطق يقول الوالد أن الاتصالات الاسلكيه مستمرة مع مركز القيادة وكل اسبوع تقريبا ترسل لهم طائرة صغيرة لها مروحتين محملة بالمؤونة من ماء ووقود وزاد حيث تلقيها بالقرب من القافلة على الكثبان الرمليه من ارتفاع منخفظ  بحيث لاتتأثر هذه المؤن اثر ارتطامها بالرمال وتظل سليمه .

 لقد امتدح الوالد معاملة البريطانيين له ولم يذكر في يوم من الأيام انهم اسائو له بتصرف او كلمة ، وذكر قصه حصلت معه أثناء نزولهم بأحد المناطق للاستراحة واعداد العشاء ويقول انه لاحظ انهم يستخدمون الملاس (ملعقة كبيرة) لتحريك لحم الخنزير بالقدر اثناء طبخه وفي نفس الوقت يستخدم نفس هذا “الملاس” لخلط الشاي والحليب، يقول كرهت نفسي تناول العشاء والشاي بسبب لحم الخنزير واسترخيت جانبا ولم اشاركهم الأكل وبعد لحظات فوجئت بالقائد قادما نحوي وجلس أمامي وكان يجيد التحدث باللغة العربية سألني إذاكنت أشكو من أي شئ أو إذا كنت مرهق لأنه لم يراني اشاركهم العشاء فذكرت له أن لحم الخنزير محرم علينا نحن المسلمون لذلك امتنعت عن مشاركتكم وكذلك لم استطيع شرب الشاي لاستخدام نفس الملاس الذي استخدم لتحريك اللحم ، يقول قام هذا القائد في الحال وأمر احد الجنود بان يغسل أبريق الشاي عدة مرات وان يعد شاي خاص لي كما احضر لي معه الخبز والبسكويت ورجع لي متأسفا لما حصل وانه نسيي ان لحم الخنزير محرم للمسلمين مؤكدا لي حرصة على مراعاة شعورنا كمسلمين كما عبر لي عن سعادته عندما يرى الجميع يتناولون العشاء معه.

 الوالد يقول انه عمل مع البريطانيين قرابة السنتين وقد منح شهاده خدمة وقد تأسف كثيرا لضياع هذه الشهاده منه لاحقا ولكنه يذكر ماكتب فيها بالتفصيل وسوف أسردها كما كان يردد كلماتها  على النحو التالي: (( لمن يهم الأمر نشهد بأن السيد علي سالم عيسى المنصوري من فخيذة المطاوعة عمل لدينا في وظيفة مرشد وأنه جدير ان يمنح هذه الشهادة لعمله بإخلاص معنا … توقيع ميجور باركنسين المعتمد العسكري البريطاني بالإمارات المتصالحة. ..15 أبريل 1954 )) .

 بعد أن انتهت خدمتة الوالد من الشارقه توجه للعمل في قطر في شركة نفط قطر بدخان فقد عمل بوظيفة حارس حيث كانت وظيفته حراسة خط أنابيب الماء من منطقة الصنع إلى مدينة دخان حيث يقوم بتتبع هذا الخط يوميا على ناقة ذلول ملك الشركة وقد اطلق عليها اسم ” الدكسنية ” نسبة إلى مدير الشركة مستر دكسن ، يقول كنت اسرح واتتبع خط الأنابيب من شروق الشمس وحتى مغيبها وانام في الطريق إذا حل بي المساء ، ومن المواقف التي حدثت له اثناء الحراسه يقول الوالد انه  ذات مرة كان عائدا من الصنع وطلب ان يقابلة مدير الشركة ليستشيره في جمل (بعير) يريد صاحبه أن يبادلهم بالذلول “الدكسنية” يقول ذهبت لأعاين هذا البعير فوجدته هزيل جدا لدرجة ترى عظام ظهرة واضحة و كبير بالسن  (هرش) ، فقلت للمدير هذا البعير لايصلح وقد يموت في الطريق اثناء العمل ، اقتنع المدير برأيي وصرف الرجل صاحب البعير ، ويضيف الوالد انه بعد حوالي مدة شهرين كنت عائدا في طريقي اثناء الحراسة ولاحظت سيارة تتحرك بالقرب من خط الأنابيب وكنت اعتقد انها للشركة  وعندما حل الظلام قررت أن أنام فقمت بتوثيق الذلول والتجأت إلى شجرة كبيرة لانام تحتها وكان معي بندقيتي (ام تاج قصيرة) لدرء الخطر من المعتدين و الذئاب التي كانت منتشرة ذاك الوقت ، وأثناء نومي استيقظت على رغاء الذلول وهذا يحصل عندما يقترب منها حيوان أو انسان غريب تستنكره وشاهدت شخصين اوثلاثة يحاولون فك وثاقها بغرض سرقتها وعندها تناولت بندقيتي على الفور وأطلقت طلقة في الهواء وما أن سمعوا الطلقة حتى لاذوا بالفرار وسمعت أحدهم يقول لزميله وهو يجري” لم نعلم أن عنده بندقية” وركبوا سيارتهم هاربين حتى اختفت اضواء السياره فتيقنت انهم كانوا ناوين سرقة الذلول ، وفي اليوم التالي واصلت مسيري وما ان وصلت مكتب الشركة حتى أبلغت المدير بما حصل فامتدح تصرفي وكم انا محظوظ بوجود بندقية معي وذكر لي انهم ربما يكون هو نفس الشخص صحاب البعير الهزيل بعد ان رفضنا طلبه بالأستبدال .

وسلامتكم

تم اعداد هذا الموضوع بواسطة السيد/ مبارك بن على بن سلام المطيوعي المنصوري

2 thoughts on “من قصص أبائنا قبل وبعد النفط”

التعليقات مغلقة.